العيسي تاجر أكبر من الدولة بتواطؤ رئاسي ولوبي فساد يزداد فتكاً (1) .. “تحقيق”
يمنات
تصاعدت في الآونة الأخيرة، حالة الغليان والسخط الشعبي في مدينة عدن جنوبي اليمن، بسبب المعاناة اليومية التي يتجرعها السكان، وسط تدهور أمني ملحوظ، يصاحبه تردي في متطلبات الحياة الأساسية من وقود، وكهرباء، ومياه غير صالحة للشرب، إضافة إلى شبكة اتصالات رديئة في المدينة التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد.
واللافت أن كل ذلك يُقابَل بتجاهل وصمت مريب من قبل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وحكومته المتواجدة معه في عدن منذ قرابة شهرين، رغم مرور أكثر من ثلاثة أعوام على تحرير المدينة من قوات الحوثي.
وبات سكان عدن في حيرة وذهول، أمام ما يجري في مدينتهم الساحلية ذات درجات الحرارة المرتفعة، التي باتت تعاني الأمرين مع عودة الرئيس هادي إليها منتصف يونيو الماضي، لأول مرة منذ عام ونصف، دون أي تحسن ملحوظ على كافة المستويات المعيشية.
واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية ومازالت مستمرة حتى اللحظة، بالدعوات إلى انتفاضة شعبية عارمة ضد فساد حكومة الرئيس هادي في مدينة عدن، لفشلها الذريع في تحسين الأوضاع الخدمية، والأمنية، وتحقيق الاستقرار للسكان.
وتصدر “هاشتاج” حمل عنوان ” انتفاضة شعبية جنوبية”، شبكة التواصل “تويتر”، واتسعت تفاعلاته وتداولاته بشكل كبير، حيث ساهمت قطاعات شعبية واسعة، ونخب كثيرة في تداول الهاشتاج الذي يدعو إلى استمرار التظاهرات الشعبية المناوئة للحكومة اليمنية، للتنديد بتدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في العاصمة عدن، وبقية المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، أو ما تدعى “المحررة”، وسط دعوات لتوسيع رقعة الاحتجاجات لتشمل كافة مديريات عدن، وباقي المحافظات الجنوبية، وصولا لتنفيذ انتفاضة شعبية كبرى، من المقرر لها الخروج عن نطاق الشبكة العنكبوتية، إلى الشوارع خلال الأيام القليلة القادمة.
وتشهد عدن منذ السبت الماضي تظاهرات وموجة غضب شعبي عارمة، احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية والمعيشية للأهالي، مع تدهور القيمة الشرائية للريال اليمني الذي وصل إلى 565 ريال مقابل الدولار الأمريكي الواحد، وهو أدنى سعر للعملة المحلية ما فاقم الأزمات المعيشية، مع تردي الخدمات الضرورية كالكهرباء، والمياه، وانعدام المشتقات النفطية، وارتفاع مخيف في أسعار السلع الاستهلاكية، صاحبه تدني الأجور والمرتبات.
ووسط موجة الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأساسية، لم يشهد هيكل الأجور والمرتبات للموظفين الحكوميين في عدن وبقية المحافظات أي تسوية، أو زيادة منذ ما قبل العام 2011، حيث كان سعر صرف الدولار حينها 215 ريال فقط ، وخلال هذه الثمان السنوات وتحديداً بعد بدء حرب 2015 التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، قفز سعر صرف الدولار بتدرج سريع إلى أن وصل اليوم 565 ريال أي بنسبة تفوق 150%، فيما ظلت الأجور والمرتبات ثابتة، ما يمثل كارثة إنسانية ومعيشية مخيفة تنذر بمجاعة وشيكة في عموم اليمن، وفق ما تؤكده الأمم المتحدة.
احتكار العيسي ودوره في افتعال الأزمات
ومع موجة الاحتجاجات الشعبية، برز اسم رجل الأعمال أحمد صالح العيسي كمحتكر لاستيراد الوقود بكافة أنواعه إلى عدن، والمحافظات المجاورة، ما دفع ناشطون وشباب من أبناء عدن وجنوب اليمن إلى شن حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي نددوا فيها باستمرار قيام العيسي بدور الدولة وتحكمه في أهم سلعة يحتاجها الناس، بما يشير إلى سيطرة مراكز وقوى نفوذ كبيرة على قرار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ـ الذي يبدو كشاهد ما شاف حاجة- أمام ما يفعله لوبي الفساد الذي يتزعمه نجله “جلال هادي” المرتبط بشراكات تجارية مع رجل الأعمال العيسي، وفقاً لتأكيدات مراقبون ووقائع عديدة.
مسئولون حكوميون يشغلون مواقع متعددة في شركة النفط اليمنية الحكومية بعدن قالوا لوكالة الأنباء “ديبريفر” إن شركة العيسى تمارس الابتزاز على شركة النفط الحكومية المختصة بتوزيع الوقود محلياً في المحافظات الجنوبية، كون الشركة تشتري من العيسي المشتقات بالسعر الذي يحدده هو، وبالعملة الصعبة وبزيادة عن الأسعار العالمية، ما يترتب عن ذلك خسائر فادحة على الشركة الحكومية.
وأشاروا في حديثهم لـ “ديبريفر” إلى أن قيادة الشركة اضطرت منتصف الشهر الماضي لرفع أسعار الوقود في خطوة هدفت لتضييق فارق الأسعار في سوق الصرف، ليصبح سعر الدبة البنزين سعة 20 لتر بمبلغ 6600 ريال يمني وهو السعر الساري حتى الآن، لكنه مرشح للارتفاع في أي لحظة بناء على رغبة المورد الأساسي “العيسي”.
وبررت شركة النفط حينها ذلك الارتفاع في بيان صحافي جاء فيه “أن رفع سعر المشتقات سببه فارق سعر صرف الدولار المفاجئ أمام الريال، نظراً لقيام الشركة، مؤخراً، بشراء كميات جديدة من الوقود من مادة (البنزين) وفق آخر سعر صرف للدولار في السوق”، لافتةً إلى قيام الشركة بشراء الدولار من السوق المحلية نتيجة عدم توفر العملة الصعبة لدى البنك المركزي لتسديد قيمة شحنة الوقود.
وكشف مصدر مسؤول في الإدارة المالية لشركة النفط اليمنية – غير مخول له بالتصريح لوسائل الاعلام- أنه يتم شراء قرابة ثلاثة ملايين دولار شهريا من شركات الصرافة المحلية، بمبلغ يقارب اثنين مليار ريال يمني لتسديد قيمة الوقود للعيسي، وهو ما يتسبب في أزمة انعدام العملة الصعبة في السوق، ويساهم في انخفاض القيمة المحلية “للريال” أمام الدولار.
وأكد المصدر ان العيسي التاجر المتعهد الوحيد بتوريد النفط إلى عدن، ما يزال يعمل على افتعال الأزمات في الأسواق بين فترة وأخرى، من خلال رفضه تفريغ شحنات البنزين، والديزل، والمازوت المتواجدة على بواخره الراسية في أرصفة ميناء الزيت التابع لمصفاة عدن، التي أصبحت ملكية خاصة للعيسي بحسب مسئولين، بعد أن كانت من الممتلكات العامة للمصفاة.
مصدر آخر في الشركة كشف في حديث خاص لـ”ديبريفر” أساليب الابتزاز التي تقوم بها شركة التاجر المحتكرة لاستيراد النفط، ومنها قيام شركة العيسي بضخ كميات كبيرة من الوقود إلى شركة النفط عدن المختصة بتوزيع الوقود محليا في المحافظات المحررة، دون تحديد قيمة مالية، وتترك الشركة تحت الأمر الواقع ما يسبب خسائر كبيرة للدولة، وهو ما لا ترضاه شركة النفط حيث تطالب التاجر بتحديد سعر البيع أولاً، ووضع حد للبيع المجهول من قبل الشركة المتنفذة.
وفي تفصيل أكثر، أوضح المصدر أن شركة النفط بعدن تشتري الوقود من شركة “عرب جلف” وهي شركة تجارية استثمارية مملوكة لرجل الأعمال أحمد العيسي، الذي صدر مؤخراً قراراً بتعيينه مستشاراً للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، فيما يتولى أحمد عوض حمران الذي كان موظفاً عادياً في شركة النفط بمنصب نائب مدير إدارة تموين المطارات، تصريف المشتقات النفطية للعيسي، وتحول في فترة قصيرة إلى رجل أعمال من العيار الثقيل.
احتكار شركة العيسي عملية استيراد الوقود في عدن، وبقية المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية “الشرعية”، تُعد سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم، إذ سلمت الحكومة أهم مورد اقتصادي ومالي للبلد إلى القطاع الخاص، بموجب قرار تحرير سوق المشتقات النفطية، الذي أصدره الرئيس هادي مطلع مارس الماضي، والقاضي بتحرير سوق المشتقات النفطية، وفتح مجال الاستيراد أمام شركات القطاع الخاص، وإخضاع عملية بيع وتوزيع المشتقات للمنافسة بين الشركات.
جاء قرار تحرير سوق المشتقات النفطية، بعد إحجام حكومة هادي على تغطية فاتورة واردات الوقود بالعملة الصعبة، وتوقف شركتي النفط الحكومية ومصافي عدن، عن استيراد الوقود وتحولتا إلى مجرد خزانات خاصة بتجار.
وبناء على ذلك تشهد المدينة وبشكل دوري انعداما كليا لمادة البنزين والديزل من المحطات، بسبب عمليات الابتزاز التي يمارسها العيسي على شركة النفط.
من يحدد سعر المشتقات النفطية؟
في مؤتمر صحفي عقدته أواخر مايو الماضي بعدن أكدت مديرة شركة النفط في عدن، انتصار العراشة: أن “شركة النفط هي الجهة الوحيدة التي تتحمل مسؤولية التمويل، أما مسألة تحديد الأسعار فليس لها أي يد في ذلك، لأن السعر لا تحدده الشركة، وإنما تحدده الحكومة، ولكن بعد قرار الرئيس هادي، القاضي بتحرير السوق المحلية، لم تصدر أي تسعيرة جديدة، وانخفضت المشتقات النفطية لفترة معينة بالسعر الحكومي، وهذا ما أثر على شركة النفط بوجود خسارة كبيرة مقارنة بسعر الشراء، وسعر البيع، لأن هناك فارق في السعر، وهذا الفارق يتمثل بالدعم الحكومي، وهذا الدعم انتهى كليا”.
وأضافت: “على إثر ذلك، تفاقم العبء على شركة النفط، وتوقفت عن البيع، ولاحظ الجميع ذلك من خلال توقف محطات الوقود الخاصة بالشركة لفترة كبيرة عن البيع، باستثناء محطات القطاع الخاص المصدر الوحيد للتمويل، كون الشركة عاجزة عن تغطية احتياجات السوق، لعجزها عن البيع بالسعر الحكومي، الذي يتسبب بخسائر كبية للشركة، كونها تشتري المواد النفطية بسعر عالٍ لعدم اعتماد الحكومة للسعر، علاوة على أن التاجر المورد للنفط (في إشارة إلى العيسي) يشترط التعامل بالدولار، وليس بالريال اليمني، وعلى إثر ذلك رفعنا عدة مذكرات لاعتماد السعر من قبل الحكومة، ولم يأتِ إلينا أي رد”.
علاقة استيراد النفط بانهيار الريال
وفي مسعى للحد من المضاربة، والمساهمة في استقرار العملة المحلية، اتفقت شركة النفط اليمنية بعدن مع قيادة البنك الأهلي اليمني الأربعاء الماضي على آلية محددة لشراء المشتقات النفطية من خلال فتح اعتمادات مستنديه للتجار المستوردين للمشتقات من الخارج.
ومن شأن هذا الإجراء، إن تم تنفيذه على الوجه المطلوب، أن يوقف عمليات السحب الكبيرة للدولار من السوق المحلية التي تقوم بها شركة النفط، وتجار محليين، وبالتالي سيخفف من عمليات المضاربة، والحد من الانهيار الكبير للعملة المحلية، التي تنعكس بدورها سلبياً على الأسعار التي ارتفعت إلى مستويات قياسية لكافة المواد الغذائية، والسلع الضرورية، وغيرها، خصوصاً مع اعتماد البلاد شبه الكلي على الاستيراد من الخارج لأهم السلع الغذائية، كالأرز والسكر والقمح والدقيق، وكل ذلك يؤدي إلى زيادة الأعباء على كاهل الأسر اليمنية التي يعيش غالبيتها في ظروف اقتصادية صعبة للغاية.
ويبدو أن استمرار الاضطراب والمضاربة في سعر صرف العملة وانهيار الريال سينعكس على حركة التعاملات النقدية في بيع وشراء المشتقات النفطية في المستقبل القريب، ما يعني استمرار الأزمة، حيث بلغ سعر صرف الدولار الواحد 555 ريالا منتصف الأسبوع الماضي.
أكبر كارثة
يقول الكاتب والصحفي الاقتصادي ماجد الداعري لوكالة “ديبريفر” للأنباء: “إن انهيار العملة أكبر كارثة تحل باليمن في تاريخها الحديث، وهو الخطر الكبير الذي ينتظر المجتمع اليمني شماله وجنوبه”، مشيراً إلى “ما يمكن أن يحدثه هذا التدهور في انهيار قيم المجتمع، باعتبار الفقر والجوع كافرين كما يقال، ولا توجد هناك أي بوادر أو إمكانية لوقف استمرار هذا الانهيار الكارثي في سعر الصرف طالما استمرت الحرب في اليمن، وظلت مرتبات مسؤولي الدولة وعسكرها بالدولار، والريال السعودي، والدرهم الإماراتي، لأن الغالبية لا يدرك مخاطر كارثة انهيار العملة على كل مجريات الحياة.
وأضاف “الوضع الحالي مخيف، ولا بد من حل جذري للمشكلة، في ظل انعدام الدخل القومي للبلد، وغياب الدور الهام للبنك المركزي في استعادة ثقة الشارع المصرفي، وضخ العملات الأجنبية لدعم استقرار الصرف، إضافة إلى العجز الحكومي عن اتخاذ أي خطوات ناجعة لوقف كارثة الانهيار التي يستفيد منها التجار وهوامير الفساد على رأسهم التاجر العيسي وشركائه في أعلى هرم قيادة سلطات رئاسة وحكومة الشرعية، باعتبارهم المستفيد الأول من فارق الأسعار في المشقات النفطية والمواد المستوردة، خصوصاً بعد إعلان البنك المركزي المعطل المهام في عدن عن فتح الاعتمادات المستندية ودعمه لاستيراد المواد الغذائية الخمس الرئيسية التي يتولى توريدها كبار هوامير الفساد والاستثمار بأوجاع وهموم الناس، بفعل العلاقات والنفوذ وتقاسم المصالح مع قيادات الدولة الرفيعة”.
وأكد الداعري أنه “لا يمكن إيجاد أي حل مالم تتوقف الحرب وتنتقل السلطة من هادي إلى رئيس يمني توافقي يعمل على استيعاب الجميع، ومالم تسارع دول التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، إلى دفع كل التزاماتها الأخلاقية والإنسانية تجاه اليمن المدمر، وشعبه الجائع المحاصر بفعل الحرب المستمرة للعام الرابع، إضافة إلى ضرورة قيام المجتمع الدولي بمسؤوليته في دعم اليمن وضخ مليارات الدولارات لإعادة احتياطي النقد الأجنبي المنهوب من البنك المركزي، وضمان استئناف البنك لعملة كما كان سابقا”.
احتكار بدعم الرئيس
تقارير إخبارية متفرقة، ذكرت أن رجل الأعمال أحمد العيسي يمارس أسلوب الاحتكار بدعم كامل من رئيس البلاد عبدربه منصور هادي وأولاده الذين تربطهم مع العيسي ونائب الرئيس علي محسن الأحمر، علاقة تجارة، وتهريب مشتقات نفطية.
وقال موقع “عدن تايم” الإخباري المدعوم إماراتيا، إن العيسي قدم دعما لا محدودا للرئيس هادي عقب نجاحه في الإفلات من قبضة الحوثيين في صنعاء مطلع العام 2015 ووصوله إلى عدن في 21 فبراير من ذات العام، وفي الوقت ذاته خسر العيسي نشاط شركته “عبر البحار” في مدينة الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون، بيد أنه أصبح مقربا من الرئيس اليمني إلى درجة جعلت منه المتحكم في تحديد أسماء المسئولين في مؤسسات القطاع النفطي التابعة للدورة، فضلاً عن كونه المحتكر الوحيد لتوريد المشتقات النفطية إلى عدن، والمحافظات “المحررة” وبالسعر الذي يحدده هو، وتم إلزام شركة النفط بشراء المشتقات النفطية من شركته حصراً.
الموقع ذاته أشار إلى أن العيسي سيطر على شركة مصافي عدن الحكومية، عبر يده الطولى في إصدار القرارات الجمهورية المتعلقة بمسئولي هذه الشركة العملاقة التي تأسست مطلع خمسينيات القرن الماضي، كأول شركة لتكرير النفط الخام في منطقة الجزيرة العربية والخليج، حيث صدر وبترشيح مباشر منه قرار جمهوري بتعيين محمد العناني مديرا لشركة مصافي عدن، وحينما بدأ العناني يقترب من توجهات عبد السلام حميد – مدير شركة النفط الأسبق في عدن والخصم اللدود لمشاريع العيسي، تمت الإطاحة بالعناني سريعاً بقرار جمهوري أيضاً، وتم تعيين بديل عنه، هو محمد أبوبكر البكري، أحد المسؤولين السابقين في شركة “عرب جلف” النفطية التي يملكها العيسي.
وكانت الإطاحة بالمدير الأسبق لشركة النفط في عدن، عبدالسلام حميد تمت بقرار جمهوري قضى بتعيين ناصر حدور خلفا له، لكن حدور الصديق المقرب من أديب نجل شقيق العيسي، لم يتمكن من التماهي كثيراً مع مشاريع العيسي، فدخل معه في صراعات انتهت بإقالته بعد أربعة أشهر بقرار جمهوري أيضا، غير أن حدور لم يصمت بعد الإطاحة به، إذ اتهم في مقابلة مع صحيفة محلية، العيسي بممارسة غسيل أموال لحساب قيادات في جماعة الإخوان المسلمين.
ولطالما وجه الكثير بينهم مسؤولين أبرزهم محافظ عدن الأسبق عيدروس الزبيدي، اتهامات إلى العيسي باستخدام ورقة احتكار استيراد المشتقات النفطية لأغراض سياسية، والتسبب في أزمات متعمدة أدت إلى اختناق تمويني في محافظة عدن، وتوقف محطات الكهرباء التي تعمل بالمازوت والديزل. وسواء كانت هذه الاتهامات صحيحة أم لا، فإن “الملياردير” صار اليوم مسيطراً على شركتي النفط والمصافي الحكوميتين في عدن، وبات المتحكم الوحيد باستيراد المشتقات إلى عدن والمحافظات المجاورة رغم قرار تحرير سوق المشتقات النفطية.
العيسي ومصافي عدن والفساد
مصادر حكومية وعمالية في شركة مصافي عدن كشفت لـ”ديبريفر” عن أحد أساليب سيطرة العيسي على المصافي، وأكدوا أن غالبية قيادات “مصافي عدن” مقربين من العيسي، ويدينون بالولاء له، ومن خلال ذلك تمكن من توقيع عقد استئجار طويل الأمد لخزانات المصافي دون علم الحكومة وشركة النفط التي يرتبط عملها بالمصافي، الأمر الذي جعل من قرار تحرير سوق استيراد المشتقات النفطية الذي أعلنه الرئيس هادي في مارس الماضي قراراً مفرغاً من مضمونه، لأن أي شركات أو تجار عاديين لا يستطيعون استيراد أي كمية من المشتقات إلى عدن بسبب عدم وجود خزانات تحفظ لهم كميات الوقود المستوردة، فالخزانات استأجرها العيسي لفترة طويلة جداً، وبات وحده من يملك صلاحية تخزين أي مشتقات فيها.
وأشار عدد من عمال وموظفي مصافي عدن –طلبوا عدم ذكر أسمائهم خشية تعرضهم لإجراءات عقابية من قيادة الشركة- في حديثهم لـ”ديبريفر” إلى أن الأوضاع في المصافي لا تسير بالشكل المطلوب، نظرا لتفشي الفساد على نطاق واسع، إضافة إلى أن العيسي قام بشراء قيادة نقابة عمال المصافي التي أصبحت تحت سلطته، بعد أن كانت تدافع عن حقوق العمال، ومكتسباتهم سابقا، لتصبح المصفاة كملكية خاصة للعيسي منذ تحرير عدن أواخر يوليو 2015، وفق تعبيرهم.
الطامة الكبرى هي ما كشفه هؤلاء العمال والموظفين، عن توجه قيادة الشركة الحالية لبيع بواخر وسفن تابعة للمصفاة، لصالح شركة العيسي، وعددها أربع سفن، بحجة إنها متهالكة وقديمة، رغم إن هيكلها مازال أفضل من السفن التي يمتلكها العيسي، وأكدوا أن الهدف من عملية البيع هو قيام شركة العيسي بتأجير هذه السفن للمصفاة بعد بيعها.
هادي وشبكة المصالح
اقتصاديون أكدوا لـ”ديبريفر” أن استمرار الحرب في اليمن لأكثر من ثلاث سنوات، وضعف شخصية الرئيس هادي، وعجزه عن عمل شيء يخلد في تاريخه، تسبب في تكوين شبكة مصالح استثمارية وتجارية واسعة بدءاً من رأس هرم سلطة هادي وبعض القوى سواءً السياسية أو المذهبية والعشائرية والجهوية، عطفاً على التدخلات الخارجية، كما نشأ نوع جديد من التحالفات بين السلطة والثروة، أبطاله رجال مال وأعمال، وحتى أسماء تجارية وهمية كواجهات مالية.
وباتت تلك المكونات وشبكة المصالح تتحكم بسوق المشتقات النفطية، وهو ما ينعكس على أسعار السلع والخدمات الضرورية، والمتطلّبات المعيشية للمواطنين، وافتعال الأزمات وخنق حركة الدولة والنقل والتشغيل.
وفي المناطق الشمالية “المحررة من سلطة الحوثيين” يسيطر على تجارة الوقود في مأرب السلطة الحاكمة الموالية لحزب الإصلاح اليمني ذراع الأخوان المسلمين في اليمن، الطرف الأقوى في “الشرعية” المهترئة، ممثلاً بمحافظ مأرب سلطان العرادة، حيث تم تخصيص إنتاج مصافي مأرب لتغطية احتياجات مأرب وشبوة وسيئون (حضرموت الوادي)، فيما حررت السلطة المحلية في حضرموت الساحل أسعار المشتقات النفطية وتقوم بالاستيراد والتوزيع.
وتمتنع سلطات مأرب عن توريد عائدات مبيعات المشتقات النفطية للبنك اليمني المركزي في عدن مقر الحكومة اليمنية “الشرعية” التي نقلت البنك من صنعاء إلى عدن في سبتمبر2016 ، وذلك على الرغم من أن مأرب ظلت حتى يوليو 2016 ملتزمة بتوريد الإيرادات إلى البنك المركزي حين كان في صنعاء تحت سلطة الحوثيين.
وتُعد محافظتي مأرب وحضرموت مصدراً هاماً لإمداد المشتقات النفطية عبر شبكة مهربين وتجار إلى المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث تكونت هناك مراكز قوى جديدة أيضاً، سيتم الكشف عنها في تقارير قادمة لـ”ديبريفر”.
جنوباً يسيطر التاجر العيسي على سوق الوقود في عدن، ومحافظات أبين ولحج والضالع، وهو الرجل الذي يعده كثيرون الواجهة الأساسية للوبي الفساد المتحكم في رأس السلطة ممثلة بـ”جلال” نجل الرئيس هادي، ونائب الرئيس علي محسن الأحمر، وتشكل هذه الحالة خير مثال لزواج السلطة الفاسدة، برأس المال المدنس.
وكشف تقرير للجنة الخبراء في مجلس الأمن الدولي قبل أكثر من شهر أن الحرب في اليمن أوجدت تجار حروب جدد لا يريدون لهذه الحرب أن تتوقف، في إشارة واضحة إلى مراكز النفود والمصالح التجارية، والاستثمارية، التي تكونت في رأس سلطتي الشرعية في الجنوب، وجماعة الحوثي في الشمال.
مافيا الوقود .. الحاكم الفعلي!
يرى الباحث الاقتصادي زكريا الذبحاني، أن “مافيا الوقود هم حُكام البلاد الفعليون، تجدهم أين ما اتجهت، وتختلف أسعار المشتقات النفطية من محافظة لأخرى، فسعر المشتقات النفطية تحكمه شبكات فساد موجودة منظمة، وغير منظمة، وسوق سوداء فضيعة لا توجد في أي بلد، ويحقق تجار السوق السوداء للمشتقات النفطية في اليمن بشماله وجنوبه، أرباحا طائلة وبالمليارات يومياً”.
ويضيف الذبحاني: “إذا ما تغيرت قواعد اللعبة سيظل الأثرياء الجدد هم الرقم الصعب في الاقتصاد اليمني داخلياً وخارجياً، فهم يأخذون ثروات من الداخل، وثروات أخرى من الخارج باسم احتياجات اليمنيين، وتعمل بهذا جميع الأطراف، وفي المقابل تزداد الأوضاع على الأرض سوءاً، وتعقيداً، وانفلاتاً”.
إنهاء الاحتكار ضرورة ملحة
دفع استمرار ما تشهده عدن من أزمات للوقود لأكثر من عامين، وارتفاع أسعار البنزين لمستويات قياسية، إلى تصاعد حدة المطالبات بإنهاء الاحتكار فوراً والعودة للآلية السابقة في عملية استيراد الوقود، باعتبار المواطن هو المتضرّر الوحيد من قرار تحرير المشتقات النفطية.
وأكد سياسيون ومراقبون محليون لوكالة “ديبريفر” للأنباء أهمية إسراع الرئيس هادي وحكومته إلى إنهاء احتكار شخص واحد لأهم سلعة يحتاجها الناس، وأن يتم تنفيذ فتح باب المناقصات للتجار لاستيراد الوقود بكل شفافية، دون ضغوطات، ومراكز نفوذ، وطرح استيراد النفط الخام لتحريك عجلة المصفاة أمام الشركات الراغبة.
وتسأل مراقبون: “الأزمات التي يفتعلها العيسي بصورة مستمرة، وتؤثر سلباً على كاهل المواطن البسيط، لماذا لم تلفت اهتمام وانتباه الرئيس عبدربه منصور هادي، وتشعره بقليل من الحرج من تكرار هذه الأزمة التي تحولت إلى ابتزاز، مع عجزه الكلي عن عمل حل حاسم لهذا الجدل؟”.
وأشاروا إلى أن انهيار العملة وأزمات الوقود متلازمان، ويأتيان بين الحين والآخر بسبب الفشل الإداري لدى الحكومة، وعدم قدرتها على توفير أبسط متطلبات المواطنين.
مصدر حكومي أشار في حديث خاص لـ “ديبريفر” إلى أن قرار تحرير سوق المشتقات النفطية، وتعطيل شركتي النفط الحكومية ومصافي عدن، يمثل إضعافاً لما تبقى من سلطة للدولة والشرعية التي تآكلت بسبب عجزها وفشلها الذريع في القيام بدورها على الوجه الأمثل في عدن والمناطق الخاضعة لسيطرتها.
وأكد المصدر أن تَسليم ذراعي حركة النقل والتشغيل، وإدارة المال، لشبكات مصالح وقوى جديدة سابقة خطيرة، هي الأولى من نوعها في دول العالم، بتسليم الحكومة أهم مورد إيرادي لها إلى تاجر يتحكم بمصير دولة وشعب بكامله، وفقا لتعبير المصدر.
وأكد محللون اقتصاديون لـ”ديبريفر” أن الحل الحقيقي لإنهاء الأزمات الاقتصادية والمعيشية على رأسها أزمة المشتقات النفطية المتكررة في عدن وما جاورها من المحافظات المحررة، يكمن في ضرورة إفساح الدولة المجال أمام شركة النفط للمشاركة مع شقيقتها شركة مصافي عدن في عملية الاستيراد للمشتقات النفطية من الخارج ، كما كان في السابق.
وقالوا أن احتكار عملية الإعلان عن المناقصات الخاصة باستيراد المشتقات النفطية الجاهزة من ديزل وبنزين، فقط على شركة مصافي عدن التي ترسي المناقصات لشركة العيسي دون منافسين، لن يؤدي إلا إلى استمرار تكرار أزمة المشتقات النفطية في السوق المحلية بين الحين والأخر، والمتضرر الأول والأخير منها، المواطن المغلوب على أمره.
وأشاروا إلى أن احتكار عملية الاستيراد نفسها على تاجر واحد فقط بعينه، تعتبر أمر غير منطقي أو مقبول، في ظل وجود العديد من الشركات والتجار قادرون على الاستيراد بل ويرغبون في المشاركة بعملية الاستيراد، لولا احتكار الموضوع من قبل تاجر واحد مدعوم من هرم السلطة والحكومة.
وضع معقد للغاية
يقول الباحث السياسي باسم فضل الشعبي رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام “الوضع معقد للغاية.. من غير المعقول ما يجري في عدن من تدهور وتردي في كافة الأصعدة، وسط تجاهل ولا مبالاة مفرطة من الرئيس هادي وحكومته”.
وأضاف الشعبي لوكالة “ديبريفر” للأنباء: “الرئيس هادي والحكومة للأسف ليس لديهما مشروع وطني، ولا رؤية وطنية تقدمها للناس، ولا رؤية في مجال الإصلاحات، كل ما لديهما هو عمليات ترقيع فضلاً عن استخدام الخدمات الأساسية كأداة للانتقام من الناس، معتقدة إنها بذلك ستحقق مكاسب سياسية، غير مدركة أنها تخسر بصورة كبيرة وتفقد حاضنتها الشعبية التي تشكلت بفعل الحرب والمقاومة، مشيراً إلى أن هناك فشل وإخفاق لدى الشرعية، وغياب وتضارب في الأولويات لدى التحالف والشرعية أيضا خلق حالة من الفوضى، والذي بدوره انعكس على الوضع العام في عدن”.
وأكد الشعبي أن البلاد بحاجة للخدمات والتنمية لتستعيد عافيتها ودورها، وليست بحاجة للمناكفات والصراعات السياسية العقيمة التي دمرت البلاد، وتواصل تدميره بطيش وطفولية غريبة.. موضحاً أنه على الحكومة أن تستغل تواجد التحالف العربي وتوجد حلولاً لمشاكل البلاد في الخدمات والتنمية وكل شيء سيكون أفضل، عدا ذلك فإن الأوضاع تتعقد ولا يمكن لأحد التكهن بها، وفق تعبيره.
وحذر مواطنين ينتابهم الغضب العارم التقى بهم مراسل “ديبريفر” في عدن، حكومة “الشرعية” من أن صبر الناس بدء ينفد على هذه الحكومة الفاشلة والفاسدة ورئيسها هادي، الذي لم يثبت بأنه جدير بتحمل المسئولية، وخذل الشعب، حد وصفهم.. لافتين إلى أن “هادي” لم يكلف نفسه منذ عودته لعدن قبل نحو شهرين بتوجيه حكومته بالنزول الميداني للشارع لتلمس احتياجات وهموم المواطنين، والعمل على تحسين الظروف المعيشية في المدينة.
وأكدوا أن ساعة الصفر قد حانت لإصلاح الاعوجاج التي تسببت به “حكومة الفنادق”، وفق تعبيرهم، واستمرار فشلها على كافة الأصعدة، والقيام بالتصعيد وثورة عارمة ضد الحكومة التي يرأسها الدكتور أحمد عبيد بن دغر بالاتجاه نحو قصر معاشيق نفسه.
اتهام هادي وحكومته بما يجري
يلقي سكان عدن بمسؤولية تردي الخدمات العامة على الرئيس هادي وحكومته المعترف بها دوليا التي تفاءل السكان خيرا بتواجدها في المدينة لوضع حد نهائي لأزماتها الأمنية والاقتصادية، بما في ذلك الأزمات المتتالية المتصلة بتحسين الخدمات العامة (الكهرباء، المياه، وطفح مياه الصرف الصحي، وغيرها).
مراقبون سياسيون جنوبيون أكدوا أن ما يجري في عدن بتعطيل مقومات الحياة بصورة متعمدة وممنهجة، انعكاس لما يجري في المدينة التي اعتبروها ساحة لتصفية الحسابات السياسية بين القوى في “الشرعية” والقوى النافذة فيها من جهة، والقوى الجنوبية الفاعلة على الأرض من جهة أخرى، في إشارة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله.
وفي هذا الإطار حمّل الكاتب والناشط السياسي الجنوبي عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، لطفي شطارة، الحكومة الشرعية، مسؤولية انهيار الخدمات والتدهور الذي تشهده عدن والمحافظات الجنوبية.
وقال شطارة في تغريدة له على تويتر، “في يناير طالبنا الشرعية بإقالة الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات من الكوادر الشابة والنزيهة .. رفضت الشرعية وقمعت تظاهرة سلمية أدت إلى ما أدت إليه وأوصلت الناس ضدها إلى بوابة معاشيق”.
وأضاف “مرت 8 أشهر ولم تستجيب لمطالب الناس.. اليوم هي المسؤولة الوحيدة عن ما يجري من انهيار”.
وفي خضم هذه الارتباطات العميقة والمشاكل المتفاقمة، تتضاعف معاناة اليمنيين في عدن والمحافظات المجاورة، وبشكل يهدد بثورة عارمة ضد الحكومة اليمنية “الشرعية” والرئيس هادي، ما قد يعيد هذه المحافظات إلى مربع العنف مجدداً.
المصدر: ديبريفر
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.